دخل رجلٌ غريبٌ على مجلس أحد الحكماء الأثرياء .. فجلس يستمع إلى الحكيم وهو يُعلّم تلامذته وجُلساءه ، ولا يبدو على الرجل الغريب ملامح طالب العلم، ولكنه بدا للوهلة الأولى كأنه عزيزُ قومٍ أذلّتهُ الحياة ..!! دخل وسلّم ، وجلس حيث انتهى به المجلس ، وأخذ يستمع للشيخ بأدبٍ وإنصات ، وفي يده قارورةُ فيها مايشبه الماء لا تفارقه . قطع الشيخ العالمُ الحكيم حديثه، والتفت إلى الرجل الغريب، وتفرّس في وجهه، ثم سأله:- ألك حاجةٌ نقضيها لك ..؟ أم لك سؤال فنجيبك .!؟ فقال الضيف الغريب:- لا هذا ولا ذاك، وإنما أنا تاجر، سمعتُ عن علمك وخُلُقك ومروءتك، فجئتُ أبيعك هذه القارورةَ التي أقسمتُ ألّا أبيعَها إلا لمن يقدّر قيمتها، وأنت -دون ريبٍ- حقيقٌ بها وجدير … قال الشيخ:- ناولنيها، فناوله إياها، فأخذ الشيخ يتأملها ويحرك رأسه إعجاباً بها ، ثم التفت إلى الضيف:- فقال له:- بكم تبيعها؟
لقد نظرتَ ببصرك فرأيتَه ماءً عاديّاً ، أما أنا، فقد نظرتُ ببصيرتي وخبرتي فرأيتُ الرجل جاء يحمل في القارورة ماءَ وجهه الذي أبَتْ عليه عزَّةُ نفسه أن يُريقَه أمام الحاضرين بالتذلُّل والسؤال ،
وكانت له حاجةٌ إلى مبلغٍ يقضي به حاجته لا يريد أكثر منه .
والحمد لله الذي وفقني لإجابته وفَهْم مراده وحِفْظِ ماء وجهه أمام الحاضرين .
ولو أقسمتُ ألفَ مرّةٍ أنّ
مادفعتُه له فيه لقليل ، لما حَنَثْتُ في يميني إن أستطعتَ أن تفهم حاجةَ أخيك قبل أن يتكلم بها فافعل ،
فذلك هو الأجملُ والأمثل … تفقَّدْ على الدوام أهلك وجيرانك وأحبابك ، فربما هم في ضيقٍ وحاجةٍ وعَوَزٍ ، ولكن الحياء والعفاف وحفظَهم لماء وجوههم قد منعهم من مذلة السؤال !! فاقرأ حاجتهم قبل أن يتكلموا … وما أجملَ قولَ من قال :-
إذا لم تستطع أن تقرأ صمْتَ أخيك ، فلن تستطيع أن تسمع كلامه.
صلوات ربي وسلامه عليك يسيدي يارسول الله ❤️