قصة نباش القبور ورحمة الله عزوجل به
لكنه كان مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره وخشيته منه جاهلا بذلك ضالا في هذا الظن مخطئا . فغفر الله له ذلك .
والحديث صريح في أن الرجل طمع أن لا يعيده إذا فعل ذلك وأدنى هذا أن يكون شاكا في المعاد وذلك كفر – إذا قامت حجة النبوة على منكره حكم بكفره – هو بين في عدم إيمانه بالله تعالى ومن تأول قوله : لئن قدر الله علي بمعنى قضى أو بمعنى ضيق فقد أبعد النجعة وحرف الكلم عن مواضعه فإنه إنما أمر بتحريقه وتفريقه لئلا يجمع ويعاد .
وقال : إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في الريح في البحر فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا .
فذكر هذه الجملة الثانية بحرف الفاء عقيب الأولى يدل على أنه سبب لها وأنه فعل ذلك لئلا يقدر الله عليه إذا فعل ذلك فلو كان مقرا بقدرة الله عليه إذا فعل ذلك كقدرته عليه إذا لم يفعل لم يكن في ذلك فائدة له ؛ ولأن التقدير عليه والتضييق موافقان للتعذيب وهو قد جعل تفريقه مغايرا لأن يقدر الرب .
قال : فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين .
فلا يكون الشرط هو الجزاء ؛ ولأنه لو كان مراده ذلك لقال : فوالله لئن جازاني ربي أو لئن عاقبني ربي ليعذبني عذابا كما هو الخطاب المعروف في مثل ذلك : ولأن لفظ ” قدر ” بمعنى ضيق لا أصل له في اللغة .
ومن استشهد على ذلك بقوله : {وقدر في السرد } وقوله : {ومن قدر عليه رزقه} فقد استشهد بما لا يشهد له .
فإن اللفظ كان بقوله : {وقدر في السرد} أي اجعل ذلك بقدر ولا تزد ولا تنقص وقوله : {ومن قدر عليه رزقه} أي جعل رزقه قدر ما يغنيه من غير فضل إذ لو ينقص الرزق عن ذلك لم يعش .
وأما ” قدر ” بمعنى قدر . أي أراد تقدير الخير والشر فهو لم يقل : إن قدر علي ربي العذاب بل قال : لئن قدر علي ربي والتقدير يتناول النوعين فلا يصح أن يقال ؛ لئن قضى الله علي ؛ لأنه قد مضى وتقرر عليه ما ينفعه وما يضره ؛ ولأنه لو كان المراد التقدير أو التضييق لم يكن ما فعله مانعا من ذلك في ظنه”.